•  
  •  
  •  
2024 اب
Mon Tue Wed Thu Fri Sat Sun
1234
567891011
12131415161718
19202122232425
262728293031
 
متفرقات
 
مقابلة مجلة شباب نيوز مع المدير العام

1- كيف تقيّمون اليوم ثانوية روضة الفيحاء، في ظلّ التنافس الذي تشهده المدارس الخاصّة؟

أصبح التقييم في ظلّ التخصّصيّة العلميّة علماً قائماً بذاته، له قواعده وقوانينه، ولا أجانب الصواب إذا قلت إنّ تقييم العمل التربويّ هو في غاية الصعوبة والتعقيد، نظراً للملابسات والعناصر المتعدّدة التي تشترك في إنجاز هذا العمل.

ويعتمد التقييم في المقام الأوّل على مجموعة من المعايير تُمكّن من تصنيف المؤسسة التربويّة وتحديد موقعها وقدراتها. وأبرز هذه المعايير، العراقة؛ تحقيق النجاحات المتعدّدة والمتتالية؛ عدد الطلاب؛ وكفاءة الكادر التعليمي...

والروضة مؤسسة تجسّد العراقة الزمنية إذ أتمّت 70 عاماً من مسيرة العطاء والبناء، وهذه السنوات كانت حافلة بالتطوير والتحديث استناداً إلى تراكم الخبرات منذ الرعيل الأوّل والجيل المؤسس.

ومن فضل الله على هذه المؤسسة أن مسيرتها الطويلة كانت وما زالت مكلّلة بالنجاحات، سواء على المستوى الرسمي، فما زالت نسبة النجاح في الروضة تلامس100 % في الامتحانات الرسميّة أو في تميّز طلابها في المسابقات الثقافيّة والرياضيّة التي تُنظّم محليّاً أو عربياً وكذلك المشاركات العالميّة، وآخرها تفوّق طالب الروضة بلال عكاري في مسابقة الرياضيات الذهنية في الولايات المتحدة الأميركية وحصوله على المركز الثالث.

وقد يستغرب البعض لماذا أضع (عدد الطلاب) ضمن معايير التقييم للمؤسسة؟ وجوابي على ذلك أن القيمة ليست عدديّة، وإنما العدد هو انعكاس للثقة الكبيرة والدعم المعنوي الذي يقدّمه أبناء طرابلس والشمال للروضة، وبهذه الثقة تستمر الروضة المؤسسة التربويّة الأكبر في الشمال، ونسأل الله عزّ وجلّ أن نبقى على قدْر هذه الأمانة وأن نحافظ عليها.

وأخيراً وليس آخراً في مجال التقييم، الروضة تمتلك كادراً تعليميّاً وإدارياً في غاية الكفاءة والتخصّص. وتمتاز الموارد البشريّة في الروضة بقيمة مضافة هي تناقل الخبرات من جيل إلى آخر، فتجتمع عندئذ الحكمة والحداثة في بوتقة واحدة، وبذلك تنقدح شعلة الإبداع التي تميّز الروضة.

2- ما النهج الذي تتبعه الروضة في سبيل الحفاظ على مستواها التعليمي المعروف منذ سنوات طويلة؟

لا يمكن لهذا السؤال أن ينال حقّه في التوسع في هذا المقام، ولكن يمكن اختصار النهج التربوي الحالي للروضة والذي نطوّره كل عام بالنقاط التالية:

• رفض الجمود والرتابة وتحديث الرؤية التربويّة بصورة مستمرّة.

• متابعة الرزنامة التي وضعتها الروضة لاستخدام التقنيات الحديثة، ووسائط التعليم الإلكترونية، بصورة عقلانية غير مبالغ فيها، حتى لا يتحوّل التحديث عملاً استعراضياً دعائياً.

• المراجعات الدائمة لرصد نقاط القوّة وتحويلها إلى قواعد تربويّة وكذلك رصد نقاط الضعف والعمل على تلافيها.

• الالتزام بالمنهاج الرسمي على المستوى المعرفي مع الابتكار الدائم على مستوى طرائق التدريس والوسائل المعينة، والتعليم الناشط، ورفد النواقص في المنهاج بمؤلفات خاصّة بالروضة.

• السعي لبناء الفكر النقدي عند الطالب وتزويده بروح المسؤوليّة العلميّة من خلال مهارات التعلّم الذاتي.

• تفعيل أساليب التعليم غير التقليديّة (خارج قاعات التدريس) مثل الزيارات الميدانيّة، والأندية التربويّة.

• التدريب المستمر للهيئتين التربويّة والإدارية للمحافظة على مكتسبات الروضة، وخلق المحفّزات والمناخات الملائمة للتطوير.

• الحرص على بناء القيم الأخلاقيّة والإنسانيّة وخصوصاً ما كان مستمدّاً من تراث طرابلس وأصالتها واستناداً إلى التعاليم الإسلامية السمحاء.

3- ما الجديد الذي شهدته الثانويّة منذ تولّيك لمهامك كمدير عام؟

في العمل المؤسّسي يعتبر التغيير الإداري فعل استمرار، وتوالي مهمّات، وليس في الأمر تغيّراً انقلابيّاً بل على العكس إنّ الإدارة الناجحة تستثمر الميزات الفرديّة لتفعيل المنظومة الإداريّة التي تكوّنت على مدى الأعوام وأَثْرَتْ الأعراف السائدة في العمل الإداري.

وممّا لا شكّ فيه أن التمايز الفردي يترك أثره في سلّم الأولويات التي تضعه كلّ إدارة في برنامج عملها. وممّا أوْلَيْته عنايتي منذ تسلّمت أمانة الإدارة العامة هو زيادة التفاعل بين الروضة والمجتمع، وترسيخ فكرة الاندماج بين التعليم والحياة العامّة، من هنا أخذتُ القرار بالانطلاق خارج أسوار المدرسة لإنجاز نشاطات تُحدث أثراً حقيقيّاً وصدمة إيجابيّة داخل المدينة ولعلّ «مهرجان الفيحاء الرياضي» الذي تزامن مع الخطّة الأمنيّة لطرابلس كان خير شاهد على أسلوب الإدارة الجديدة ثم تبعه «ربيع الروضة» الذي جمع بين الترفيه والرياضة والثقافة.

بالإضافة إلى ذلك أسعى من خلال موقعي إلى نمط إداري يتميّز بالرويّة والتغييرات الهادئة نظراً للواقع العام المضطرب سياسيّاً واقتصاديّاً. ممّا يفرض ترشيداً للإنفاق وسياسة ماليّة ترصد التوقّعات ولا تُبنى على التفاؤل الوهمي في ظروف وطنيّة ضبابيّة لا يمكن إنكارها.

كما أعمل على زيادة الفاعليّة في قطاع المعلومات وتكنولوجيا المعرفة، لأنّه الميدان التنافسي الأبرز الذي يحدث الفارق، مع الأخذ بالاعتبار أن الوسائل التقليديّة لا يمكن الاستغناء عنها في التعليم لأنها تكسب الطالب مهارات حسّية – معرفيّة تعجز التكنولوجيا عن تأمينها.

وممّا أحرص عليه حرصاً شديداً تعميق مفهوم «أسرة الروضة» وروح «الانتماء» إلى المؤسّسة حتى تبقى الروضة تسير في الدرب الذي نشأت عليه منذ سبعين عاماً، درب التآلف الذي يجعل عمل الفريق منظومة منسّقة متكاملة الأركان مستشهداً بالحديث الشريف «مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد...».

وكذلك أسعى إلى بناء علاقة استراتيجيّة مع جمعيّة الخرّيجين لزيادة التعاون مع مؤسّستهم الأم، وقد أثمرت هذه العلاقة في العامين الأخيرين عدّة مشاريع في غاية الأهميّة أبرزها «صندوق دعم طالب الروضة» لمساعدة الطالب اليتيم المتفوّق بالإضافة إلى حملات التوعيّة البيئيّة ودورات التأهيل لامتحانات الدخول الجامعيّة.

4- ما الذي يميّز طلاب ثانوية روضة الفيحاء عن سواهم من طلاب الثانويات والمدارس الخاصّة؟

بعيداً عن المقارنات التي لا تجدي نفعاً إذ لا يمكن ضبطها بموضوعية وتجرّد، أستطيع التحدّث عن طالب الروضة الذي نتفانى لنقدّمه كنموذج مثالي وصورة مشرقة للإنسان الإيجابي والمواطن الملتزم بقضايا المجتمع ومُثُله العليا.

وأبرز ميّزات طالب الروضة الثقة بالنفس التي تعزّزت لديه من خلال المهارات المكتسبة والقدرات التي زوّدته بها الروضة وبالكفاية المعرفيّة التي تمكّنه من تحقيق طموحاته وتطلّعاته المستقبليّة للوصول إلى أعلى درجات التحصيل الجامعي والأكاديمي، وهذه الصورة ليست حلماً مثاليّاً بل هي واقع متحقق من خلال عدد كبير من الخّريجين الذين بلغوا مراتب علميّة مشرّفة ومواقع وظيفيّة عالية في لبنان والعالم.

والثقة بالنفس عند طالب الروضة بعثت فيه حبّ المنافسة البنّاءة والإقدام دون وجل على خوض التجارب التي تصقل مواهبه وتزيد قدرته على التواصل المجتمعي، وليس في الأمر غرابة، لأن البيئة المدرسيّة التي يتواجد فيها طلابنا متّسعة على مستوى العدد والنوعيّة فهي تصهر شرائح متعدّدة في أجواء تُعوِّد على التسامح والتفاعل الإيجابي.

وأهم الصفات التي نحرص على تكريسها عند طالب الروضة القيم الأخلاقيّة والروحيّة مع ضوابط الاعتدال دون إفراط ولا تفريط لأننا نؤمن أن الماديّة المجرّدة من الإيمان تؤدّي إلى الأنانية والشقاء، وأن الغلوّ يؤدّي إلى العنف والكراهية، وأن التوسّط هو سبيل التوازن في الشخصيّة والاستقرار النفسي.

5- هل يوجد في الروضة قسم لذوي الاحتياجات الخاصّة وما هي طبيعة التقديمات التي يوفّرها هذا القسم؟

لقد أدركت الروضة مبكراً ضرورة الاهتمام بالطلاب ذوي الاحتياجات الخاصّة التعليميّة، وأنّه جزء من عملها التربوي ومن أهداف رسالتها الإنسانيّة، والمقصود بذوي الاحتياجات الخاصّة التعليميّة الطلاب الذين يعانون من صعوبات حادّة في التعليم وليس الاحتياجات بمعناها الشامل لأن هذا خارج نطاق اختصاصنا وقدراتنا اللوجستيّة. وبناءً على ذلك عمدت الإدارة التربويّة إلى سياسة الدمج الجزئي في التعليم، والذي يؤمّن التكيّفات اللازمة لطلاب الصعوبات مع وجودهم في الصفوف مع زملائهم، وهذا يتمّ يإشراف فريق مختصّ ومتابعة الكادر الأكاديمي العادي الذي خضع لدورات تدريبيّة في ميدان الصعوبات تحت إشراف خبراء جامعيين.

ونحن في هذا المجال نعتبر أنفسنا في بحث دائم لتطبيق التجربة باحترافيّة عالية نظراً لحساسيّة هذا الميدان وخلفيّته الإنسانيّة، لذلك تُجري الروضة مجموعة من الدراسات لتطوير ميدان التربية المختصّة وتأمين المزيد من المستلزمات البشريّة والماديّة.

6- كيف يمكن التوفيق بين متطلبات المدرسة الخاصّة الماديّة وما يتخبط فيه الأهالي من أوضاع اقتصادية سيّئة؟

من العسير جداً الموازنة بين متطلبات التربية والواقع الاقتصادي المتردّي، ومن يطلب التوافق التام بين هذين الأمرين فإنما يطلب المستحيل، لأن التربية تحتاج إلى الإنفاق، خصوصاً إذا كانت الرؤية تطويريّة وغاية المؤسسة الوصول إلى نمط تعليمي حداثي، وفي هذا الإطار يمكن الحديث عن مستلزمات لا تعدّ ولا تحصى، وعن تكاليف عالية غير الرواتب والمصاريف الروتينيّة.

ومن الثوابت التي نتبعها في سياستنا الماليّة أننا لا نضع موازنتنا على حساب جودة التعليم، لأن التميّز في أدائنا التربوي هو مبرّر وجود المؤسسة وهدفها الرئيس، ونسأل الله أن تخرج مدينتنا من دوّامة الجمود الاقتصادي التي تلقي بظلالها السلبية على جميع القطاعات ومنها المدارس والجامعات التي تضطر مرغمة إلى رفع الأقساط على الرغم من إحساسها بحجم الأعباء الملقاة على كاهل أولياء الأمور. ومن هنا أؤكّد أنّ إدارة الروضة كانت وما زالت تنصت برحابة صدر إلى هواجس أولياء الأمور، وكم أعدنا النظر بسياستنا الماليّة للتخفيف من الضغوطات الماديّة عن الأهالي، وآخر هذه التعديلات توزيع الأقساط على دفعات ميسّرة تمتدّ على كامل العام الدراسي.

والإدارة على تواصل دائم مع لجان الأهل للوصول إلى الحلول المرضية لجميع الأطراف مع الحرص الشديد على حقوق المعلمين التي يكفلها القانون دون تلاعب أو مواربة، وكذلك دون المساس بضروريات التعليم الذي نفخر بمنحاه التصاعدي منذ التأسيس وحتى اليوم.

7- ماذا على صعيد تطلعاتك الشخصيّة، وهل تتوقف طموحاتك عند مهام إدارة ثانوية روضة الفيحاء؟

كان انتقالي من عالم المال إلى عالم التربية نقلة نوعيّة ومميّزة في حياتي وعلى الرغم من أنّها جاءت دون تخطيط مسبق إلا أنّها زادت من خبرتي في ميدان الإدارة، فالتربية نسق خاص يطغى فيه الجانب الإنساني والمعرفي على الأطر القانونية المجرّدة.

وبعد أن تسلّمت أمانة الإدارة العامة في الروضة بات عملي هو الأولويّة ومن خلالها أتطلّع إلى بلوغ درجة الإتقان مصداقاً للحديث الشريف «إنّ الله يحبّ من أحدكم إذا عمل عملاً أن يتقنه» وخصوصاً أنني بتّ على يقين بأن العمل التربوي هو الركن الأساس في تحقيق أيّة نهضة سواء كانت علميّة أو حضاريّة، لذلك أنا اليوم في حالة اندماج كامل مع عملي بل مع رسالة الروضة وهي إعداد الأجيال إعداداً علميّاً وأخلاقياً وحضاريّاً ليكونوا سفراء خير وبناء حيثما تواجدوا.

وبهذا العمل أرى المنفعة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: «الخَلْقُ كلّهم عيال الله، وأحبّهم إليه أنفعهم لعياله».

أمّا ماذا يحمل المستقبل للإنسان؟ فذاك في علم الغيب ولا يعلمه إلا الله ولا نملك حياله إلا الدعاء بأن يكون خيراً على المستوى الشخصي وكذلك الأمر على المستوى العام.



تاريخ الخبر: 2016-02-08